مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية
مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية
تعرف المؤسسة باسم (مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية ) و قد تم إشهارها عام 1989 في القاهرة بمبادرة من الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين ، و هي مؤسسة ثقافية خاصة غير ربحية تعنى بالشعر دون سواه من الأجناس الأدبية ، و على هذا فقد تم اعتماد النظام الأساسي للمؤسسة
تعرف المؤسسة باسم ( مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) و قد تم إشهارها عام 1989 في القاهرة بمبادرة من الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين ، و هي مؤسسة ثقافية خاصة غير ربحية تعنى بالشعر دون سواه من الأجناس الأدبية ، و على هذا فقد تم اعتماد النظام الأساسي للمؤسسة على النحو التالي :
الجلسة الأولى: التعليم وحماية التراث الثقافي
رئيس الجلسة
فخامة رئيس جمهورية البوسنة والهرسك الأسبق، الحارث سيلايجتش
المتحدثون
معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف بن أحمد العثيمين
معالي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش
سعادة سفيرة اليمن لدى هولندا ممثلة عن وزير الخارجية، سحر غانم
معالي رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر مورير
معالي رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي، هلال الساير
معالي عمدة مدينة باليرمو، لولوكا أورلاندو
كلمة فخامة رئيس جمهورية البوسنة والهرسك الأسبق
الحارث سيلايجتش
السلام عليكم،
بداية أتوجه بالتحية إلى كل أصدقائنا، وأود الترحيب بالضيوف وأصحاب السعادة والسيدات والسادة والأصدقاء الأعزاء.
أود أن أعبر عن احترامي وتقديري الشخصي لواحد من الرجال بيننا هنا، ما يزال يعمل بجد منذ عقود، ليس في سبيل حضارة محددة، بل للتقريب بين جميع الحضارات، وهذا ما نحتاج إليه اليوم في هذا العالم أكثر من أي وقت مضى، وهذا الرجل هو السيد عبدالعزيز سعود البابطين، باني الجسور العظيمة وراعي النوايا الحسنة.
أود أن ألفت انتباهكم إلى حال محيرة ترتبط بالثقافة وتسود العالم هذه الأيام، وهي تفاقم أجواء التوتر والارتباك؛ فالنقطة الأولى أننا نقبع بين الإنترنت في الفضاء السيبراني والحواجز بين الناس. إذن هناك إنترنت ويوجد حواجز بالمعنى المستعار، ومن الصعب شرح ذلك أو فهمه، لكن نتج عن هذا العدو السريع بالمتغيرات مشاكل كبيرة، وعلينا التعامل معها، ولكن كيف يكون ذلك؟
هذا ما سنتحدث عنه اليوم، وهي قضية تم التقليل من شأنها في عالم اليوم. والمفاجأة أنه لا يوجد عالم أكاديمي ولا مؤتمرات تختص بهذا الموضوع، وبهذا نلاحظ أن الخلل هو بالتكنولوجيا من جانب وقلة توافر العنصر البشري الأكاديمي المتخصص من جانب أخر.
هكذا وصلنا إلى نقطة لم يعد الإنسان فيها قادرًا على استيعاب المتغيرات، ولذلك زاد التوتر والارتباك وعدم الاستقرار والخوف، حتى وإن لم نكن على دراية بها.. وهذه إحدى مشاكلنا.
المعضلة الأخرى؛ أننا نريد السلام من جهة ولدينا أسلحة نووية وغيرها من جهة ثانية، فكيف يمكن أن نقيم توازنًا بينهما؟
المعضلة التالية أننا نقترب أكثر وأكثر من حال عدم احترام بعضنا للآخر، فكيف يمكن أن نناغم بين كل هذا؟ وهنا يأتي دور الحضارة لإيجاد مزيد من المفاهيم كما أشار فخامة رئيس جمهورية مالطا في كلمته إلى أهمية التعليم، وهذا ما نحتاجه اليوم؛ التعليم والتنشئة.
لقد عانت الإنسانية قبل ذلك، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى، وكان لدينا حالات سابقة مشابهة، لكن ماذا علينا أن نفعل؟ يجب أن نبحث عن نظم وقوانين نلتزم جميعًا بها، فضلًا عن ضرورة نشر مبادئ تقديس القيم والمفاهيم في هذا العالم، وإنشاء مجموعة أنظمة من القيم ترضي المجتمع، لأن السلام ليس عملية للتسلية أو لعبة لإمتاع الناس أو مسألة أخلاقية، بل إنه لا عوض عنه؛ فالبديل الوحيد للسلام هو الحرب، والحرب في وقتنا الراهن تعني الدمار الشامل، ولذلك لا بديل لنا عن السلام.
ويقوم التعليم بدور كبير في ذلك، فهو حجر الأساس، وهو قطعة موزاييك صغيرة في صرح الموزاييك الذي علينا بناؤه لكي نستطيع الاستمرار في الحياة.
فكيف يمكن لنا أن نوازن بين هذه المفارقات؟ وهذا باعتقادي ما يجب أن نفعله، بإيجاد قيم ونظم تسود الجميع ونعمل على احترامها. وعلينا أن نعلم باستخدام الوسائل التكنولوجية المنتشرة تحت تصرفنا. فالمتغيرات سريعة جـدًّا وفي الوقت نفسه نحن نحتاج إلى وقت لدراسة هذه الأمور والتأمل بها والوصول إلى قرارات بشأن هذه المشاكل، فنحن بشر ولسنا رقاقات ذكية.
وأريد الإشارة إلى مشكلة خاصة، وهي غياب الاحترام، فأنا أؤمن بالجانب الإيجابي للإنسان وأعتقد أنه إذا أبدينا الاحترام لهؤلاء الذين في هذه المرحلة من التاريخ وعملنا على تقديرهم وعدم تهميشهم وإذا قمنا بتعليمهم وتربيتهم على قيم الاحترام فإننا نكون قد وجدنا حلولًا لنصف مشاكلنا.
فإن قلة الاحترام وانتشار اللامبالاة تخلق شعورًا لدى بعض الناس بعدم أهميتهم أو أنهم أصبحوا مكروهين أو محتقرين، بل إنهم يشعرون بأنهم غير موجودين وهذا سيكون أحد أكبر المشاكل في المستقبل، حيث سيكون لدينا مئات الملايين من العاطلين عن العمل بسبب الأتمتة واستخدام الإنسان الآلي والروبوتات، وهذه الأمور يجب أن نجد لها حلولًا عاجلة. لذلك فإن بدأنا اليوم بتعليم الأجيال الصغيرة فإننا خلال عشرين عامًا سنحصل على جيل يرفض الإقصاء وعدم الاحترام ويرفض استخدام الأسلحة النووية، وهكذا فإن الحكومات ستسير حسب رغبة هذه الأجيال، وبذلك نستطيع خلق جيل مختلف كما نريد باستخدام التكنولوجيا المتوفرة اليوم. وهو ما علينا القيام به.
وتوجد أشياء يجب علينا ألا نقوم بها، ويجب على هذا الجيل الابتعاد عنها، وسآخذ بلادي البوسنة مثالًا على ذلك، واعذروني إذا عدت بكم إلى الماضي، فهناك دراسة حالة لما يجب أن تبتعد عنه هذه الحضارة، علمًا بأنني أعلم كثرة المشاكل في عالم اليوم، فالدراسة تشير إلى ازدياد العنف وغياب العدالة بين الناس.
فالناس تقتل الآن في هذه اللحظة بينما نحن نتحدث هنا، وهناك حالات عصيبة وأزمات في اليمن وفلسطين وغيرهما. لكنني أتحدث عن البوسنة لأنها بلدي وأعرف الكثير عنها، فماذا حدث هناك؟
البوسنة أفضل دول أوروبا وهي من أقدم الدول الأوروبية، لكنها تقع بين مجموعة حضارات متنازعة، وهنا المشكلة وهذا قدرنا. فما الذي حدث آنذاك؟
بين سنتي 1992 و 1995 حدث اعتداء على البوسنة ووقعت إبادات جماعية أدت إلى تدمير الحضارة وسط أوروبا بشكل كامل، ثم جرى توقيع (اتفاق دايتن للسلام) فأنهى الحرب وأصرت الولايات المتحدة الأمريكية على عدم التعامل مع جرائم الحرب، وكل ما أرادته هو إحلال السلام فقط وحصلنا على السلام، ثم بعد ذلك قامت محكمة العدل الدولية في لاهاي بالتحقيق في جرائم الحرب وتبين أنها لم تكن حربًا أهلية وصدر الحكم بذلك.
والآن عرفنا بشكل رسمي بعض الذين قاموا بارتكاب ما حصل، وتم تحديد مجرمي الحرب.. وهم الآن في السجن لكن مشروعهم مرّ. فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟ هذا ما يجب عدم القيام به اليوم.
البوسنة ضحية جرائم إبادة وإهمال المجتمع الدولي وهذه النتيجة النهائية، لقد كانت البوسنة وسيبرونيتشا مثالًا على التعايش المشترك وتنوع الحضارات لعدة عصور، بينما هما الآن مقسمتان حسب رغبة من قاموا بارتكاب المجازر.
فلدينا مجتمع مدمر، في وقت وقفت أوروبا متفرجة وهي تساهم في قتل ذلك النموذج من التعايش الذي تسعى أوروبا اليوم إلى التمثل به كنموذج للتعايش بين شعوبها، إنه سوء طالع، لقد قاموا بقتل ذلك النموذج وتم ما تم، ووقعت مجازر جماعية.
إذن بالنسبة إليهم فإن المجازر الجماعية قد تكون مفيدة! بمعنى أنه يمكن أن تحصل مجازر في المستقبل ويمكن التشجيع على القيام بها والسكوت عليها، هذا ما حصل في أوروبا في دولة من أقدم دولها، ومن أفضل نماذج التنوع والتعدد. ونحن ضحية الإبادة وهذا ليس تهديدًا للمنطقة والقارة الأوروبية فحسب، بل هذا ما كان يجب ألا يحصل ولا يجب أن يحصل في المستقبل.
شكرًا لكم
كلمة معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
يوسف بن أحمد العثيمين
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
أصحاب الفخامة، رؤساء الدول،
سعادة السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسرني أن أشارك معكم اليوم في المنتدى العالمي لثقافة السلام في مدينة لاهاي العريقة ذات التاريخ الذي لعب دورًا بارزًا في رسم معالم المدينة باعتبارها مركزًا للفنون والثقافة في عصر النهضة الأوروبية ومن ثم مقرًّا للدبلوماسية الدولية وعاصمة للعدالة والقضاء الدولي.
وأنتهز هذه الفرصة الطيبة لتقديم الشكر الجزيل للجهات المنظمة لهذا الحدث المهم، والشكر موصول لأصحاب الفخامة والسمو والمعالي والخبراء، والمشاركين من كافة الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية في هذا المنتدى، أتمنى لكم التوفيق والسداد في إثراء أعمال المنتدى بمساهماتكم القيمة والخروج بالنتائج الملموسة.
يتناول هذا المنتدى موضوعًا يعد من أهم القضايا الراهنة حيث لقضية الاهتمام بالتراث الثقافي وصونه وحمايته الأهمية البالغة؛ لما فيها من حفاظ على مكتسبات الأمم وتاريخها، وكما هو معلوم يتعرض التراث الثقافي في بعض الأماكن للدمار ليس فقط بالإهمال وعوامل التعرية، ولكن بسبب ما ألحقته أيدي الجماعات الإرهابية من فتك وأضرار وطمس معالم، مما يهدد بقايا الإرث الإنساني والحضاري.
وتأتي أهمية هذا المنتدى بالبحث عن المقترحات التي سوف تطرح من خلاله، ونأمل أن تجد صداها من الاهتمام لدى المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بإدارة السلام والتعليم والحفاظ على التراث الثقافي وحمايته، وعلى تنوع أشكاله المادي منه واللامادي والذي يعد من أبرز الشواهد على هوية وذاتية وعراقة وأصالة الشعوب، ومبعث اعتزاز للأمم، فيها صلة بين ماضي الأمم وحاضرها، كما أنه ينظر إليه كركيزة أساسية في التنمية لعدد من الدول، لأنه أصبح من أهم مصادر الدخل للأفراد والمجموعات من خلال الصناعات الثقافية والتراثية، ورافدًا من أهم روافد السياحة والاقتصاد الوطني، لهذا أصبحت دول كثيرة تسعى سعيًا حثيثًا لتوظيف العائد من التراث الثقافي في التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
السيدات والسادة..
تواجه اليوم العديد من المواقع الأثرية في بعض من دولنا الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي مثل (سورية والعراق واليمن وأفغانستان وفلسطين ومالي وليبيا) جملةً من المخاطر التي تهدد بقاءها واستمرارها كشاهد على الحضارة الإنسانية في مراحلها المختلفة، ويأتي في مقدمتها ما تعرضت له من تدمير وتلف جراء النزاعات المسلحة، فضلًا عن الإتجار غير المشروع في الممتلكات التراثية والثقافية لا سيما في العراق واليمن اللتين تشهدان تدميرًا ثقافيًّا لم يسبق له مثيل، فضلًا عن ممارسات محو التراث وسلبه. ونشهد إهمالًا متعمدًا يستهدف تدمير معالم أثرية نادرة وتشويهها وتعرضها للنهب والسلب بغرض الإتجار غير المشروع بها واستخدام أرباحها في تمويل الإرهاب ونشاطاته الإجرامية في اليمن والعراق على سبيل المثال.
إن بناء السلام من خلال التعليم ونشر ثقافته يقتضي مزيدًا من الجهود والعمل للحفاظ على التراث الإنساني لحضارات الأمم وتراثها وآثارها خاصة في بلدين فريدين مثل العراق واليمن، كما يقتضي تعزيز التعدد والتنوع الثقافي، وترسيخ مفهوم التسامح والاحترام المتبادل وذلك من أجل تهيئة الظروف المواتية للمصالحة، حيث أثّرت الأحداث التي توالت على الكثير من المواقع الأثرية، ولنا فيما تعرضت له مدينة الموصل وغيرها من مدن العراق مثل مدن آشور الأثرية وسامراء، وقلعة إربيل والأهوار في جنوب العراق التي أضيفت مؤخرًا على قائمة التراث العالمي، ومدينة صنعاء القديمة ومدينة الزبير وما تعرض له بني شيبان في اليمن أمثلة للواقع الأليم المؤلم للمدن التاريخية والتي أضافتها منظمة اليونسكو إلى قائمة التراث المهدد بالخطر حيث يهدد التهاون في حمايتها والحفاظ عليها إخراجها من قائمة التراث العالمي، وهو ما يشكل خسارة فادحة للبشرية باعتبارها ممتلكات ثقافية وإنسانية عظيمة لا تقدر بثمن. وإدراكًا من منظمة التعاون الإسلامي لحجم هذه التحديات، وضعنا في مقدمة أولوياتنا الاهتمام بالتراث الحضاري وحمايته في العالم الإسلامي، الذي يشكل أحد المحاور الأساسية في البرامج التي تعمل عليها منظمة التعاون الإسلامي في جميع أجهزتها على برامج بلورتها وتجسيدها.
حيث بادرت الأمانة العامة بتنظيم ندوات وورش عمل بالتعاون مع مؤسستين من مؤسسات منظمة التعاون الإسلامي وهي المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) ومركز البحوث للتاريخ الإسلامي والفنون والثقافة (أرسيكا) والشركاء الدوليين وقد دعت توصياتها إلى مقترح مشروع إنشاء منصة منظمة التعاون الإسلامي للحفاظ على التراث الثقافي في العالم الإسلامي.
وتعكف الأمانة العامة على تنظيم ورش عمل للخبراء في شهر سبتمبر المقبل لدراسة سبل تجسيد هذا الموضوع المهم خاصة بعد اعتماد هذا القرار بشأن حماية وصون التراث الثقافي والتاريخي الإسلامي والعالمي في اجتماع مجلس وزراء الخارجية للدول الأعضاء في الدورة الماضية والتي تمت في أبوظبي في مارس عام 2019.
إن المحافظة على التراث الثقافي والحضاري هي من أولويات الحقوق الثقافية للأفراد والجماعات، وتحرص المنظمة ومؤسساتها على المحافظة على التراث وأهميته في سياستها وفي الأنشطة الثقافية المشتركة التي تضطلع بها، إيمانًا منها بمسؤولية الحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والعالمي وحمايته فهو لا يقتصر على الدول الأعضاء فقط، بل هي مسؤولية مشتركة بين حكومات الدول الأعضاء ومؤسساتها والجمعيات الأهلية والمنظومة الدولية جمعاء، خاصة في ظل النزاعات والأزمات.
كما تسعى المنظمة إلى إعلاء مبادئ الإسلام السمحة التي تحترم التراث الثقافي الإنساني، فديننا الإسلامي المعتدل النقي الصافي يحرص على صون وحماية مختلف أماكن العبادة والآثار التاريخية القديمة في دولنا الأعضاء وسائر بقاع الأرض. ولعلّي هنا أنوه إلى أهم الأنشطة التي نظمتها المنظمة لشعوب دولها الأعضاء، كمهرجان منظمة التعاون الإسلامي الذي يعد الحدث الأول من نوعه والذي يهدف إلى التعارف وتقريب ثقافات الشعوب في الدول الأعضاء من بعضها بعضًا وكذلك المجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء، من خلال حدث ثقافي فكري سياسي اجتماعي فلكلوري تستضيفه الدول الأعضاء مرتين في السنة خارج قاعة الاجتماعات الرسمية وخارج جداول أعمال المؤتمرات، ومن خلال طرح القضايا الراهنة في الندوات الفكرية، مثل الندوة حول الحفاظ على التراث التي شارك بها الاتحاد الأوروبي من خلال مكتبه في العراق وبخبراء متميزين في الدول الأعضاء وأجهزة متفرعة متخصصة تابعة للمنظمة، كما يسهم المهرجان في نشر ثقافة السلام وتعزيز الحوار بين الثقافات عبر العروض الفلكلورية ومعارض المنتجات التراثية واليدوية وغيرها من الأنشطة التي يتضمنها برنامج المهرجان.
هذا المهرجان أعطى رسالة قوية للعالم بأن الإسلام الصافي والمعتدل والنقي لا يتعارض مع التراث ولا مع الثقافة ولا مع العلوم ولا الآداب ولا مع حماية التراث.
وقد حققت الدورة التي عقدت في كل من القاهرة وأبوظبي نجاحًا ملحوظًا في تأدية الرسالة المرجوة من الحدث في تعزيز التضامن والوحدة مع التعرف على تنوع العادات والتقاليد والموروثات الثقافية.
وفي هذا السياق فإن الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي تؤكد استعدادها للتعاون مع جميع الدول الأعضاء والمنظومة الدولية وشركاء المنظمة ذوي الصلة لتعزيز الشراكة مع الدول غير الأعضاء من المنظمات الدولية مثل اليونسكو والاتحاد الأوروبي من أجل بلورة خطط عملية فعالة من شأنها أن تنقذ التراث الثقافي في كافة تجلياته، كذلك الآثار المادية والتراث اللامادي، حيث يكتسب هذا الأخير أهمية خاصة نظرًا لدوره في حفظ ذاكرة الشعوب وما تزخر به من قيم إنسانية تجسدت في الحكم الشعبية والشعر والغناء والأمثال وغير ذلك من عوامل أساسية في تعزيز التنوع الثقافي والحفاظ على السلم الاجتماعي والتضامن بين الشعوب.
ختامًا؛ تتطلع الأمانة العامة إلى أن يكون هذا المنتدى فرصة سانحة لتبادل أفضل الممارسات بين الدول وخبراء اليونسكو والمنظمات الأخرى غير المختصة حتى نتمكن جميعًا من إيجاد السبيل المناسبة لإنقاذ تراثنا الإنساني والثقافي من الضياع والإهمال ومواءَمتها مع المبادرات الدولية كحفظ التراث الثقافي برمته وإنقاذ التراث المعرض للخطر واستعادته وحمايته وتوظيف كافة الإمكانيات من أجل نشر ثقافة المعرفة والسلام والأمان في العالم أجمع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي
الطيب البكوش
حضرات السيدات والسادة،
السلام عليكم،
أود بدءًا أن أشكر «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» والساهرين عليها لتنظيم هذا المنتدى ودعوتنا للمشاركة فيه حول موضوع يتنزل في صلب اهتماماتنا في اتحاد المغرب العربي إقليميًّا وقاريًّا؛ أي أفريقيًّا ودوليًّا، وهو ثقافة الأمن والسلام وكيفية نشرها اليوم، وموضوع الجلسة الأولى محوري فيها، وهو التعليم وحماية التراث الثقافي، فالتعليم هو الأداة العملية المنهجية الهادفة إلى نشر الثقافة بمفهومها الشامل الذي يتضمن ما عبر عنه في هذا المحور بالتراث الثقافي الذي يحتاج في كل زمان ومكان إلى الصيانة والتعهد والحماية، فالصيانة من الآفات الطبيعية، ولا سيما المناخية وسائر الكوارث الطبيعية والحماية من عبث البشر جهلًا أو تعصبًا ومن اللامبالاة والإهمال وسوء التصرف والاستعمال إلى التدمير الممنهج من دعاة الظلامية أو من آثار النزاعات والحروب والقصف العشوائي.
فقد سجل التاريخ على مر العصور أحداثًا مروعة من هذا القبيل، من حرق للمكتبات وحرق كتب علماء ومفكرين وفلاسفة في الساحات العامة، إلى تدمير المعابد والتماثيل والرسوم الفنية، هذا فضلًا عن الإضرار الفادح بآثار أنزلتها اليونسكو ضمن التراث الإنساني وذلك نتيجة جشع المضاربين أو دجل تجار الدين والعبث بعقول البسطاء الأميين وأشباه المتعلمين. ومن هذا تتبين لنا أهمية نشر قيم التربية والتعليم وثقافة حقوق الإنسان التي تقتضي التشبع بقيم التسامح واحترام الآخر وحقوقه الثقافية التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الفردية والجماعية والحريات العامة.
السيدات والسادة..
إن ظلت الحقوق الثقافية مدة من الزمن مهمشة ضمن منظمة حقوق الإنسان الكونية مقارنة بالحقوق المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، فإن الوعي بمحوريتها الفلسفية قد ترسخ بالعقود الأخيرة وتكرس انطلاقًا من إعلان «فري بور السويسرية» للحقوق الثقافية الذي كان لنا شرف المساهمة في صياغته ثم تعريبه بدعم معنوي من اليونسكو التي تبنته بإصدار إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي تلاه الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي الصادر عن الأمم المتحدة.
لذا وجب تعميق الوعي بأن الثقافة هي مجموع القيم والمؤسسات وأنماط السلوك والتفكير الذي يشترك فيها أفراد مجموعة بشرية ويحددون بها هويتهم الثقافية ويتناقلونها ويطورونها عبر العصور جيلًا بعد جيل، ويتفاعلون بها مع الثقافات الأخرى التي تـنصهر جميعها في الحضارة البشرية الكونية، ويتم التعبير عنها أساسًا بالألسن المختلفة التي تحتويها جميعًا اللغة البشرية الكونية.
السيدات والسادة..
ختامًا، يتبين لنا مما سبق أن في حماية التراث حماية للثقافة، وأن في حماية الثقافات حماية للحضارات البشرية، لذا يجب أخذ هذا بعين الاعتبار في هندسة المناهج التربوية وصياغة البرامج التعليمية وتأليف الكتب المدرسية ليتشبع بها النشء منذ الصغر فتساهم الأجيال المتعاقبة في توارثها وتنميتها والتفاعل بها مع سائر البشر ثقافةً وتثاقفًا.
شكرًا لكم على حسن الاستماع، والسلام عليكم ورحمة الله.
كلمة سعادة سفيرة اليمن لدى هولندا ممثلة عن وزير الخارجية
سحر غانم
أصحاب السمو والسعادة،
السيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي أن أعبر عن تقديري لـ «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» على تنظيمها هذا المنتدى، وأود نيابة عن حكومة اليمن أن أرحب بالمبادرة الرامية إلى تطوير مناهج لدراسة ثقافة السلام ومبادئه.
كما يسرني أن أتقدم بالشكر إلى وزارة الخارجية في مملكة هولندا وإلى مؤسسة كارنجي وإلى كل من ساهم في تنظيم هذا المنتدى.
الضيوف الأعزاء،
كما تعلمون فإن لليمن تاريخًا عريقًا ومميزًا يمثل تاريخ الإنسان، وهو أحد أعمدة الحضارة الإنسانية، حيث تزدهر فيه الحضارة والحياة.
فالحضارة العظيمة نشأت في اليمن منذ مهد الألفية الثانية قبل الميلاد وحتى القرن السابع بعد الميلاد، ولليمن إسهامات في كافة المجالات الاقتصادية، والفكرية، والإنسانية، والعلمية.
فمنذ ذلك الوقت واليمن تبدع في الاختراعات، فقد وجدت نظام الري وبناء السدود كما أبدعت في مجال الزراعة، فكانت أول من بنى السدود، وازدهرت فيها التجارة وكانت تسمى باليمن السعيد، وتم ذكرها في كثير من المراجع التاريخية والأدبية والتراثية، منها قصة (الملكة سبأ والملك سليمان) وفيها نتعلم أن ملكتنا تسلمت رسالة من الملك سليمان اشتمت من خلالها رائحة الحرب فاستشارت مستشاريها فنصحها أحدهم بأن تتخذ القرار بنفسها، وقررت أن تتبع طريقة دبلوماسية دون المخاطرة بحرب تدمر مملكتها فأخذت هدايا ثمينة وذهبت بها إلى الملك سليمان لمقابلته.
في هذه القصة تعلمنا الملكة بأن خيار المواجهة يجب أن يدرس بعناية ودون تردد، لكن العبرة هي أن الخيار الذي يضمن سلامة الشعب وكرامته هو الخيار الأفضل.
أيها الأصدقاء،
تتعرض اليمن لحرب منذ أربع سنوات بسبب ميليشيات الحوثي، وإن نتائج هذه الحرب كبيرة ومدمرة، حيث أدت إلى آثار سلبية كبيرة على الشعب والاقتصاد والبيئة والتراث أيضًا. فهذه الحرب لم تدمر البلاد والآثار والتراث فقط، بل دمرت المجتمع والنسيج الاجتماعي والعلاقات فيه أيضًا.
إن ظروف الحرب تلحق أضرارًا كبيرة بالتراث والإرث اليمني، فقد دمر الحوثيون الأوابد والآثار، فضلًا عن انتشار حالات النهب والسرقة والاتجار بالقطع الأثرية التاريخية. وقد بذلت الحكومة اليمنية جهودًا كثيرة لحماية هذه الآثار، فقامت بنقل كثير منها إلى أماكن آمنة، كما تم اعتراض كثير من القطع المسروقة أو مصادرتها وإعادتها إلى اليمن.
السادة الأعزاء،
لقد قامت الحكومة اليمنية بتفعيل ميثاق جنيف لمنع الإتجار بالآثار والقطع التراثية، وهذا يعكس جدية الحكومة في حماية تاريخ البلاد وآثارها، فنجحت الحكومة باستعادة الكثير من القطع التي كانت في طريقها إلى خارج البلاد.
ولاشك أننا بحاجة إلى المزيد من الوسائل لحماية تراثنا، وبوسعنا العمل كي تخلو الألفية الثالثة من الحروب. وإن المستوى المتدني من التنمية وانتهاك حقوق الإنسان والحاجة وغيرها هي السبب في نشوب الحروب، ويجب أن تكون ثقافة السلام جزءًا من النظام التعليمي وأن تسهم في نشر مبادئ العدل والحوار والتفاهم.
ويجب أن يعلم الجيل القادم أن التعددية والاختلاف العرقي والإثني هو دليل على قوة المجتمع وتماسكه، وليس سببًا من أسباب الحروب. ولتحقيق هذا لابد من تطوير بيئة اجتماعية وثقافية مناسبة للجيل القادم ليوازن بين البيئة التي يعيش فيها وطبيعة التعليم الذي يتلقاه.
أخيرًا، دعوني أعبر عن سعادتي بأن أنقل إليكم هذه الرسالة، وهي أن خبراتكم ودعمكم وجهودكم مطلوبة في مساعدة اليمن وحماية تراثه وثقافة السلام فيه.
وشكرًا لكم.
كلمة معالي رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر
بيتر مورير
أشكركم جزيل الشكر،
وأعبر عن تقديري لإسهامات السيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» وجميع المنظمين لهذا المنتدى.
أنا هنا ممثل للجنة الدولية للصليب الأحمر وما أمثله له مضمون عالمي، وهذا يعني أنه علينا العمل معًا لكي نواجه المشاكل، فمن الصعب النظر إلى الإنسانية بدون أخذ التراث بعين الاعتبار؛ فالتراث هو ما تركه الأجداد والسلف للأجيال وله أثر كبير في تكوين طبيعة المجتمع، وقد شاهدنا في أثناء عملنا في ساحات الحروب أهمية التراث، مثل ما حصل في الموصل وتدمر، حيث شعر الناس بوجود اعتداء على هويتهم وكرامتهم وعلى مستقبل الأمة بكاملها.
وفي عملنا لا يوجد مفاجآت وأنا أركز هنا على أن ننطلق في عملنا من مبدأ قانون حقوق الإنسان العالمية كإطار عمل في مكافحة تدمير التراث والآثار التي خلفها القدماء، وأعتقد أن سمو الأمير تركي الفيصل ذكر في كلمته صباح اليوم العديد من العناصر، وعندما نأتي على ذكر قانون حقوق الإنسان العالمية، دعوني أوضح أنه بعد خمسة عشر عامًا من المناقشة والتفكير وإجراء الأبحاث حول أهمية التراث العالمي ودور الشريعة الإسلامية، أستطيع القول: إن الشريعة الإسلامية جزء لا يتجزأ من القانون العالمي لحقوق الإنسان، كما أن القانون العالمي لحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية، وقد أوضح سمو الأمير تركي الفيصل هذا في كلمته أيضًا، فنحن نتحدث عن القيم والنظم المعيارية نفسها.
لذلك فإن حماية النظام المنبثق من القانون العالمي الإنساني له أهمية خاصة من حيث التركيز على التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والالتزام بالقوانين العسكرية في أثناء الحروب لحماية الإرث التراثي، فلو لم يتم احترام هذا الإرث فذلك سيؤدي إلى تدمير التراث وحدوث هجوم واعتداء عليه.
وأود الإشارة ونحن نجتمع في هذه اللحظة بالذكرى السبعين لتوقيع معاهدة جنيف وهي مرجعنا للنظر إلى القضايا التي نناقشها هنا، كما أشير إلى مرور عشرين عامًا على البروتوكول الثاني لعام 1954 الموقّع في لاهاي، والذي تضمن مزيدًا من التفاصيل التي تشكل إطار عمل هام لنا فيما يتعلق بحماية التراث والأوابد التاريخية أثناء الحروب والنزاعات.
وأعتقد أننا حققنا تقدمًا على الرغم من الصعوبات في تطبيق القوانين، ودعوني أقرّ بأنه تمت حماية هذه القوانين في العديد من الأماكن والأزمنة. ولحماية التراث والمواقع التاريخية في أماكن الصراع يجب الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
وأريد أن أشارككم نتائج استطلاع أجراه الصليب الأحمر حول آراء الناس من وجهة نظر نقدية في طريقة حماية التراث، وهذا يقودنا إلى ما نناقشه، فمن خلال آراء سبعة عشر ألف شخص في ست عشرة دولة في رأيهم حول العناصر الأساسية في القانون الدولي لحماية التراث.. وجدنا أن هناك نسبة (72%) لا يؤيدون الاعتداء على التراث والأماكن الدينية، بينما وجدنا أن (28%) يؤيدون الاعتداء على الرموز الدينية، وهذه نسبة تبعث على القلق، وهو جوهر ما سوف نناقشه وكيف يمكننا زيادة النسبة الإيجابية لتصل إلى (100%)، وهنا يأتي دور التعليم وما يمكن أن تغيره الثقافة في عقول الناس.
دعوني هنا أذكر الأشياء التي وجدناها مهمة لكي نطور عملنا ونصل من خلالها إلى أهدافنا، وهي:
- نريد من الدول أن تتبع مزيدًا من الضوابط للالتزام بالمعاهدات لحماية التراث.
- نحث الدول على حماية التراث ليس فقط في وقت الحرب، بل أيضًا في وقت السِّلم، وذلك باتخاذ الإجراءات الوقائية التي تتضمن تدريب العسكريين على احترام القوانين والمعاهدات أثناء الحروب وحالات الطوارئ.
دعوني أوضح أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ملتزمة بدعم الدول والمنظمات ولدينا خدمات إرشادية واضحة ليس لتثقيف الجمهور فقط بل لتثقيف الإدارات والقوات المسلحة أيضًا لاحترام المعاهدات وحماية التراث خلال الحرب.
إن القانون الدولي جسم حي يمكن أن ينمو من خلال التمرين والتدريب، ونحن نقوم بتدريب القوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة ولدينا مجموعات تدريب في جميع أنحاء العالم ونقوم بذلك من خلال ورش عمل ودورات كثيرة. وأذكر أننا قمنا بتدريب أكثر من مئة وثلاثين ألفًا من القوات المسلحة من خلال جلسات نظرية وعملية. وعملنا لا يقتصر على الجيوش النظامية، بل على الجماعات المسلحة أيضًا، ويمكننا توفير أطقم للتفاوض على الخطوط الأمامية في مناطق الحرب والمناطق الآمنة، ونقيم دورات بهذا الخصوص، ولدينا اقتراحات أيضًا هنا للتعامل مع الجماعات الإرهابية وذلك بتوفير الإرشاد والتدريب لهم، ويمكن لنا أن نجري نقاشات على الخطوط الأمامية، ولدي بعض الأمثلة على ذلك، حيث يمكن الاعتماد علينا في هذا المجال لتقديم الإرشاد والتدريب.
شكرًا جزيلًا.
كلمة معالي رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي
هلال الساير
أصحاب السمو،
أصحاب السعادة،
معالي أعضاء البرلمان،
الحضور الكرام،
السيدات والسادة،
يسعدني أن أكون بينكم اليوم ويشرفني أن أتحدث إليكم باسم جمعية الهلال الأحمر الكويتي التي أترأسها.
أنا طبيب جراح بالمهنة، وكنت وزيرًا للصحة في الكويت، وعميد كلية الطب، لذلك فإن حديثنا عن التعليم وحماية التراث في العراق واليمن سيكون له شكل آخر يرجع إلى خبرة وتجربة في مجال الطب والصحة العامة والعمل الإنساني.
أود بداية أن أشير إلى أن جمعية الهلال الأحمر الكويتي أصبحت جمعية رائدة في مجال العمل الإنساني وهي تدعم اليوم النشاطات الإنسانية.
على أية حال؛ إلى أي مدى يمكن للجمعية أن تقدم المساعدة للمحتاجين في الدول المختلفة؟
يمكن القول: إنه مهما فعلنا لا يمكن أن نلبي احتياجات الملايين الستة الذين أجبروا على مغادرة بيوتهم ومجتمعاتهم وأحيانًا بلدانهم، فالتحديات أمامنا كبيرة، لكن ونحن نتابع مسيرتنا يجب التأكيد أن مفتاح حماية سكان المنطقة هو منع نشوب النزاعات والحروب في الدرجة الأولى، وعندما يكون الأمر غير ممكن، فعلينا عمل كل ما باستطاعتنا لضمان عدم وقوع أضرار للناس والمؤسسات والتراث وكافة نسج المجتمع.
في حالة العراق فإننا تأخرنا كثيرًا؛ فقد قتل أكثر من واحد وخمسين ألفًا وثلاثمئة شخص في العراق منذ سنة 2016. وفي اليمن تشير التقارير إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني في سنة 2015 وأكثر من خمسين ألف شخص ماتوا من الجوع، كما قتلت الكوليرا الآلاف، ومن المحتمل أن يموت المزيد بسبب المجاعة في الأشهر القادمة.
في هذين البلدين ذوي الحضارات الأقدم والأفضل بالعالم، تم تدمير الكثير من الآثار والمعالم التاريخية إلى الأبد. وقد سمعت عن تقرير أمريكي أخير يشير إلى تقديم المساعدات الإنسانية لأول مرة في غضون أربع سنوات إلى خمسة آلاف شخص يعيشون في الجبهات الأمامية في منطقة صنعاء، وأشار التقرير إلى أنه خلال سنوات الحرب الأربع تم تدمير الكثير من المناطق وتعرض الكثير من السكان أثناء الحرب إلى حدوث أمراض ومجاعات وانتشار الكوليرا والتعرض للقصف والقتل من هؤلاء المدنيين.
إن الغذاء أساسي من أجل البقاء، ولا يحق لأحد أن يحول هذا الأمر البسيط إلى حلم مستحيل للملايين في اليمن خاصة للأطفال والنساء، فعدم توفير الطعام يعني ضياع الحلم، فلا تعليم للأطفال ولا رعاية صحية هناك حيث يمكن أن يموت البشر في أي لحظة وهم يبحثون عن الطعام، كما انتشر الزواج المبكر للأطفال، وانعدمت التنمية، فلا حياة هناك.
حتى قبل الحرب كانت اليمن تعاني من الحاجة إلى الطعام، وقد تم عقد عدة مؤتمرات حول ذلك، منها في الكويت حيث تم جمع ملايين الدولارات لمساعدتها، كما قدمت الكويت وغيرها من البلدان آلاف الأطنان من الأغذية والمساعدات، ولكن حتى الآن ما زالت اليمن على حافة المجاعة، وقد ساعد شعبُ الكويت الشعب اليمني بمساعدات سخية بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وعبر جمعية الهلال الأحمر الكويتي، لوقف المعاناة وتوفير الخدمات الإنسانية.
فاستطعنا بالتعاون مع بعض المنظمات ذات الصلة بالجهات الفاعلة في اليمن توفير الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية الأخرى وبعض المساعدات الصحية إلى مناطق متعددة في اليمن عبر السعودية وجيبوتي وحضرموت وعبر ميناء الحديدة والمناطق المحيطة بها وغيرها.
وفي مؤتمر الدول المانحة لمساعدة اليمن الذي عقد في فبراير الماضي تم نشر تقرير حول حماية المؤسسات التعليمية من الهجمات بعنوان (حماية مستقبل اليمن: احم الأطفال من الهجمات) أشار التقرير إلى أن حوالي خمسمئة ألف طفل لم يلتحقوا بالتعليم بسبب النزاع، وأن خمسة ملايين طفل بحاجة إلى مساعدة في مجال التعليم.
وهكذا فإن الوضع يتفاقم بسبب الحرب والغارات الجوية والقتال والقصف وإطلاق النار ومهاجمة المؤسسات التعليمية؛ فأكثر من مئتين وخمسين مدرسة تم تدميرها، وطال التخريب ألفين وخمسمئة مدرسة، كما توجد ثلاث وعشرون مدرسة محتلة من الجماعات المسلحة.
وقال المدير التنفيذي للتحالف الدولي: إن اليمن غير قادرة على إعادة البناء حتى يتم إصلاح القطاع التعليمي، وأشار إلى أنه من الصعب إعادة بناء المؤسسات التعليمية وتأهيلها، وهذا يستلزم ضرورة حماية التعليم.
يجب علينا أن نعطي، لمن نقوم بتقديم المساعدة لهم، الأمل بالمستقبل في الحصول على الاحتياجات والتعليم وإعادة التنمية، ليكبروا ويعيشوا حياة كريمة ويعتمدوا على أنفسهم، وهكذا يمكن أن تتحقق أحلامهم وأن تتحسن أوضاعهم، ولكي نتأكد أن الحرب أصبحت من الماضي علينا انتزاعها من عقول الأجيال القادمة في مرحلة مبكرة ليكبروا ويصبحوا قادة المجتمع.
وإن حماية المؤسسات التعليمية وسط الحروب والقتال حاجة أساسية وحق إنساني، فبعد الدمار الذي لحق بالمؤسسات التعليمية في العراق سنة 2003 جنحت البلاد إلى الفوضى وحاولت الكويت إعادة بناء جسور الأخوة والمحبة التي كانت تربطها مع العراق فقدمت المساعدات ببلايين الدولارات، كما أسهمت المنظمات الإنسانية في توفير الخدمات للعراق، وكثير منها تم عبر منظمة الهلال الأحمر الكويتي وغيرها من منظمات الإغاثة. وفي فبراير 2018 عقد مؤتمر برعاية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تم تخصيصه لإعادة بناء المدن والمؤسسات التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية المسلحة المزعومة في العراق، وتم تقديم ثلاثين بليون دولار لمساعدة العراق.
إن دور التعليم في التعريف بثقافة السلام كان هدفًا للأمم المتحدة وشدد عليه أمينه العام السابق بان كي مون، فمن خلال التعليم يمكن بناء أجيال واعية لا تعرف الكراهية ونستطيع تنشئة قادة يتحلون بالحكمة والرحمة، كما يمكننا تجسيد الثقافة ونشر ثقافة السلام.
ونحن في الكويت محظوظون بوجود قائد يتمتع بالحكمة والرحمة والقيم الإنسانية، وهو سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إذ تم تكريم سموه من الأمم المتحدة في سبتمبر 2014 كقائد للعمل الإنساني لجهوده الإنسانية، وتم إعلان الكويت مركزًا للعمل الإنساني. وفي إبريل الماضي 2019 تم تكريم سموه من البنك الدولي تقديرًا لإسهاماته في التنمية الاقتصادية على مستوى العالم ومساعدته في نشر السلام في العالم.
كما قامت الحكومة الكويتية بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة في العراق، بانتهاج خطط وبرامج لإعادة بناء المجتمع وتأهيله، وبناء قطاعات الصحة والخدمات الاجتماعية وحماية التراث الثقافي وتطوير مستوى التعليم. وحتى وقت متأخر كانت الحكومة تركز على توفير الخدمات الأساسية، لكن اليوم تعتبر الحكومة أن توفير هذه الخدمات يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع الخدمات الأخرى الضرورية من غذاء وماء ودواء.
وإن التركيز على التعليم في العراق يأخذ أهمية حيوية خاصة بعدما واجهه الناس من ويلات الحروب والتشرد بسببها، فالرقم كبير ولا يمكن للمساعدات أن تغطي الجميع، ولذلك فإن الدعم الاجتماعي هو الأساسي وفي حالات الطوارئ.
ولكن كيف يمكن لنا إنهاء الحرب وأن نبدأ بالسلام؟
جاء في ميثاق منظمة الثقافة والعلوم التابع للأمم المتحدة: «طالما أن الحرب تبدأ في عقول الرجال ففي عقول الرجال يجب أن تشيد قلاع السلام». وطالما أن عقول الرجال تتشكل منذ الطفولة فعلى الأطفال أن يتعلموا دروس السلام مبكرًا.
وشكرًا لكم.
كلمة معالي عمدة باليرمو
لولوكا أورلاندو
يشرفني أن أتقدم بالشكر للسيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» وأشكره على الدعوة وأشكر الجميع.
إن التغيير ممكن، وأقول شكرًا لمسؤولي الإدارة والقيادة؛ فالقيادة تبعث برسالة مفادها أن التغيير ممكن، بداية من الماضي: حماية الماضي، حماية الإنسان، وهذا هو فحوى الرسالة، أننا يجب أن نعمل بدون خوف من الماضي أو المستقبل، فلا نريد أن نهمل الماضي بل أن نستحضره، وهذه رسالتي؛ أنه يمكن لنا أن نصنع السلام بعد الصراع، فلنعتبر من تجربة باليرمو؛ حين وقعت حرب أهلية في باليرمو باسم الهوية، فتمت ممارسة الإرهاب ودار القتال عنيفًا بين الأطراف، وكل ذلك باسم الرب، وأعتقد أن تجربة باليرمو يمكن أن تكون مفيدة لأن باليرمو كانت عاصمة المافيا وحصل فيها تغير ثقافي كبير خلال السنوات الأربعين الماضية، وكان الجميع في مواجهة مع المافيا، من شرطة ورجال أمن وحتى الناس أيضًا.
الآن بعد أربعين سنة من الحرب الأهلية أصبحت باليرمو عاصمة الثقافة، فقد تبدلت حالها، ولا يوجد مكان مثلها في أوروبا يهتم بالثقافة والتغيير في المجالات كافة، كما حدث تغيير في عقلية الناس دون تغيير في الدستور. واليوم خفتت لدينا مسألة الإيمان لكن الناس صادقة.. وخفتت معظم أنواع الجرائم من سرقة وقتل وعنف وأصبحت باليرمو الوجهة السياحية الأولى.
ما أريد أن أقوله: إن ثقافة السلام ينتج عنها اقتصاد قوي وسلام، لأن العنف يولد اقتصادًا ضعيفًا، والفكرة السائدة أن التركيز دائمًا يكون على الاقتصاد في المرتبة الأولى، لكني أعتقد العكس، فالثقافة أولًا ثم يأتي الاقتصاد ثانيًا. فالعنف لا يعطي نتيجة إيجابية، والعنف لا يقتصر على الحرب، فالتعدي على البيئة وتدميرها هو عنف أيضًا.
وإن لدي اتصالًا مع مؤسسات ثقافية، وقد أرسلوا لي رسائل تفيد بأننا بحاجة إلى احترام التراث الثقافي لأن هذا التراث الثقافي جزء لا يتجزأ ويتضمن احترام الوقت، واحترام التراث، واحترام المحيط، واحترام الإنسان، واحترام الهوية. وأنا عادة أرفض الهوية التي ترتبط بالانتماء بواسطة الرابطة الدموية، فالهوية خيار، فأنا ولدت في صقلية لكن يمكنني أن أختار هويتي، فيمكنني أن أكون ألمانيًّا أو هنديًّا. فالهوية حرية لا أحد يلزمني بالانتماء إليها بحسب رابطتي الدموية.
العنصر الآخر هو احترام الوقت، فنريد ربط الماضي بالحاضر وهذا هو التطلع إلى المستقبل، وأعتقد أنه يمكن احترام هذا الشرط. فالبعض يقول: أنا فرد، لكنني أقول: إننا جماعات مترابطة. لنعد إلى الماضي، أنا ولدت في سنة 1958 وعندما انتسبت إلى المدرسة كان الطلاب يدرسون القصص والأدب وتساءلنا حينها: لماذا لا ندرس الشواهد التاريخية؟ يجب أن يكون لدينا احترام للماضي لتدمير المافيا، فالمافيا تحاول طمس التراث.
وقد عانى الشعب الألماني أيضًا من النازية، لكنني أقول: إن باليرمو اليوم آمنة والكل يأتي إليها للسياحة. كما أنني أرفض كلمة مهاجر، فلا مهاجرين في باليرمو وأنا لا أفرق بين من ولد هنا أو في بلاد أخرى، حتى الإخوة أبناء الدين الإسلامي يشعرون بأنهم في بيوتهم وبين جماعاتهم.
نحن ننتمي إلى حوض المتوسط، فـ باليرمو ليست أوروبية، بل إنها تنتمي إلى بيروت ودمشق والقاهرة، فالمتوسط ليس بحرًا، بل قارة.
أشكركم جميعًا.